الفلسفة بين الاحتضار والبعث

من الشخصيات التي هي أكبر من كيانها، والتي وصفها البعض بالغموض والأهمية، والمعترف بها بشكل أو بآخر والتي رسمت المشاهد التاريخية للبشرية، وسكنت زقاق المدينة بخطى مثقلة بخفة السؤال تارة، كما أجبرت على الغياب تارة أخرى، لسبب أو لآخر، نجد شخصية الفيلسوف..

     لقد كان لتنامي الثقافة الصناعية التي أفضت إلى واقعية فائقة، والتي تحاول في سيرها إزاحة كل امكانية بعث هذا الطيف فينا، هذا الحامل للشعلة، الابن العاق للآلهة المؤهل للقربان، الذي يعانف بالسؤال و لا يخشى الاحتراق مثل الفراشة التي تعانق دفء النار المقدسة لتنصهر مع الحقيقة، دور كبير في تغيب الطفل المنادى الذي تجسم في شخصية سقراط يوم انقض على العقول المرتكنة إلى دفء الموروث ليعيد بعث المهجور بالسؤال الجذري، ولا يجد حرجا في النزول بمعوله على المعهود والمبتذل لتحرير المرآويين من المحاكاة الزائفة لذواتهم، وإرساء ثقافة الفضح داخل المجتمعات المرتكسة ولو على حساب حياته.

      لماذا هجران السؤال والمساءلة؟ أليس من ماهية الوعي القصدية ؟ لماذا تنازل الإنسان عن أجمل ما فيه وهو مغازلة المجهول؟ ماهي تداعيات هذا العزوف والتخلي عن ممارسة الفعل الفلسفي في عصر ما أحوجنا فيه إلى عقول الطَرق والطُرق، طارقة كل الأبواب وفاتحة لطُرق تؤدي إلى ماهو متأصل فينا؟ ماذا فقدنا بفقدان التفلسف؟

لقد فقدنا المتعلم، الحامل للقدرات والمهارات و السلوك العقلاني المنظم في الحياة النفسية، والاجتماعية، والفكرية، والدراسية. الواعي بأهمية امتلاك الثقافة الفلسفية والعلمية، والقدرة على التعبير الدقيق، واليقظة الفكرية المنطقية والصارمة، والمراقبة الذاتية خلال الحوار الفلسفي، والتعبير والتفكير

      فقدنا القدرة على مواجهة المشكلات، وإيجاد الحلول وبرهنتها، والقدرة على الفهم، والاستدلال الصحيح، والقراءة، و القدرة على التركيب، والتنظيم، والتحليل، والتصنيف، والتعليل. إصدار الأحكام، والنقد، واتخاذ المواقف

    أما على مستوى الفرد، فمن حقنا أن نتساءل عن امكانية هذا الأخير على التعرّف على التراث الفلسفي الإنساني، ومدى قدرته على التجاوب معه. وهل يمتلك حقا نصية حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وتمثلها، والمساهمة في الدفاع عنها

    إن الفلسفة هي أكثر من مادة تدًرس؛ إنها تزيد معرفة الفرد بالصراع الإيديولوجي والثقافي السائد في العالم، وتساعد على التعامل معه بإيجابية. تزيد معرفة الفرد بالنظم الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، تسعى إلى الدفاع عن القيم العليا، كالحرية، والحق، والعدل، والتسامح، تمكّن معرفة سبل الحق واكتشافها والالتزام بها، تمنح الفرد القدرة على احتواء العنف الفكري، وتوجيهه نحو صلاح المجتمع والفرد والإنسانية. تمثل قيم التسامح الديني، والفكري، والحضاري، وتزيد القدرة في الاعتماد على أسلوب التعايش والاعتراف بالآخر المختلف. إنها تؤسس للمواطنة الحقة

 من اعداد السيد حرفوش عبد الرزاق

أستاذ مادة الفلسفة (الثانوية الخاصة السوسن)